بعد نشرنا للموضوع السابق عن موقف الاباضية من المخالفين لهم، سألني الكثير من الاخوة عما يسمى بحلقة العزابة ودورها في المجتمع الاباضي.
وهو ما يجعلني أواصل في هذا المنشور تنوير المتابعين عن حقيقة المذهب الإباضي وبعض خصائصه، حيث سأقوم الآن بتوضيح الطريقة التي يحددها المذهب الإباضي لأفراده في التعامل مع المخالفين لهم، حسب الوضعيات التي تمر بها جماعتهم قوة وضعفا. وهو ما يصطلحون عليه بـ "مسالك الدين".
حيث يقومون بتقسيم أحوالهم وفق ذلك الى أربعة حالات:
1. مرحلة الظهور: أي عندما يظهرون على غيرهم بالقوة والتمكن، فتكون الدولة بيد إمامهم فيقيم حكومة وفق تعاليم المذهب الاباضي ومنهج الشرع الإسلامي. كما حدث في إمارة ابي الخطاب عبد الأعلى بن السمح بطرابلس (141هـ إلى 144هـ) أو الدولة الرستمية بتيهرت. فيكون المخالفين لهم من المسلمين تحت طاعتهم المطلقة.
2. مرحلة الدفاع. تكون هذه المرحلة عندما يضعفون عن إقامة دولتهم، ولكن تكون لهم شوكة وقوة، فيقومون باختيار إمام منهم للدفاع يقودهم لاسترجاع حقوقهم ورد كل من يريد انتهاك حرماتهم أو يحول دون تطبيق تعاليم مذهبهم. ولا يتوقفون إلا بأحد أمرين: الانتصار على عدوهم وتحقيق هدفهم أو الفشل بفنائهم.
ويتخذون في هذا المسلك قدوات من عمل أسلافهم كعبد الله بن وهب الراسبي الذي خرج على الإمام علي رضي الله عنه وتزعم المحكمة، وأبو حاتم بن حبيب الملزوزي كما وضحه الشماخي و الدرجيني وكذا الثميني في كتابه "معالم الدين".
3. مرحلة الشراء: وتكون هذه المرحلة عندهم عندما تضعف شوكة جماعتهم عن المواجهة المباشرة لمن يريدون الخروج عليه، فيشترطون لذلك خروج 40 شخصا على الأقل للقيام بمواجهة الظلم حتى الممات، فإن أصبح عددهم أقل من ثلاثة لهم ان يتوقفوا.
4. مرحلة الكتمان: وهي المرحلة الأخيرة من مسالك الدين عند الاباضية، أي مرحلة الضعف التام حين تفتُر قوتهم وتضعف نفوسهم ويعجزون عن رد المظالم وانكار المنكر إلا بالقلب. فينعزلون عن المجتمع الإسلامي العام، ويوجهون جهودهم لأمورهم الداخلية. فتوكل مهمة قيادة الجماعة الى حلقة العزابة.
والعزابة نظام يقوم مقام السلطة في مرحلة الكتمان عند الاباضية، حيث يقول أبو عمر عبد الكافي (ق 6هـ - 12م) في مخطوطه نظام العزابة: "ومنزلة الحلقة أي نظام العزابة التي اثبتها المشائخ حين عدم أهل المذهب السلطان العادل، ونزلوها منزلة السلطان العادل في العدل سواء".
كما قاموا كذلك بتقسيم مرحل الكتمان الى نوعين كتمان خفي وكتمان ظاهر. وما يهمنا هنا هو الكتمان الظاهر الذي تتخذ فيه حلقة العزابة مقام إمام الكتمان أو إمام التحقيق كما كان يسمى عبد الله بن اباض في صدر نشأة المذهب. حيث ترعى الشؤون الداخلية والتنظيمات الاجتماعية للجماعة الاباضية.