إن الإجابة عن هذا التساؤل مهم جدا من أجل البناء عليه في تحديد هوية صاحب النمط العمراني ببلاد الشبكة.
"وليس أهل هؤلاء القرى اباضية من الأول، بل كانوا معتزلة يسافرون الى تاهرت لقتال الاباضية"وقد أكده الشيخ ابراهيم مطياز في رسالته "تاريخ مزاب" في الصفحة 6 بقوله:
"فالمعتزلة الذين كانوا في هذا الوطن ... كانوا منعزلين عن بني رستم، بل كانوا يحاربون الرستميين"
1. نزوح الاشراف الادارسة نحو بلاد الشبكة:
وبعد سقوط الدولة الادريسية سنة 922م تفرق اتباعها بين الصحاري والجبال، فانتقل جزء منهم نحو واديي النساء وزقرير أولا، وهم: أولاد عيسى وأولاد ابراهيم وأولاد اسماعيل. قبل أن تنتقل مجموعة منهم بعد ذلك لتأسيس قصر العطف، وهو ما ذكره موتيلينسكي نقلا عن الشيخ محمد بن اشتيوي بن سليمان في كتابه "القرارة منذ تأسيسها". حيث يقول بن اشتيوي:
"لقد كان الأشراف يعيشون في البدء بمدينة فاس. وبعد استيلاء رجل من أصول يهودية يدعى أبو العافية على السلطة قام بملاحقتهم وقتل العديد منهم. وهو ما جعلهم يغادرون مدينة فاس بفعل ذلك الاضطهاد، ويلجؤون إلى حياة البداوة بالصحراء. لقد رمت بهم هذه الهجرة القسرية بوادي زقرير ووادي النساء، أين قرروا الاستقرار بسهولهما ... ينقسم الأشراف إلى ثلاثة فرق: أولاد عيسى، أولاد إبراهيم وأولاد إسماعيل، والذين يجمعهم جميعا نفس الأصل. إنهم يعيشون منذ وقت طويل في ذلك المكان الذي اختاروه، غير أن عدد منهم قرر الانتقال لتأسيس العطف"*
2. بدأ العمران ببلاد الشبكة:
اختار بعد ذلك بعض أولئك الأشراف الانتقال الى بادية
بني مصعب المعتزلة وقاموا بإنشاء قصر جديد بناحية العطف سنة 1012م على النمط العمراني الادريسي
الذي خبروه في عاصمتهم التاريخية فاس، وذلك تحت قيادة خليفة بن أبغور قائد جماعتهم وسليمان
بن عبد الجبار المعتزلي شيخهم. قبل أن يقوم سعد بن خليفة بن ابغور بعد سنتين من
ذلك أي في 1014م ببناء قصره الخاص فوق الجبل الغربي لغارداية والمعروف الآن بقصر بابا
سعد.
ولما كان فلول الرستميين الاباضية يستقرون بسدراتة قرب مدينة ورقلة بعد فرارهم من تيهرت التي سقطت في يد العبيديين سنة 909م، فقد كان البعض منهم -وهم أولاد عبد الله- يقومون برعي مواشيهم ناحية بلاد الشبكة في الربيع، ما جعلهم يلاحظون بدأ حركة عمرانية بالمنطقة ابتداء من سنة 1012م عكس ما كان عليه الأمر قبل ذلك، فقاموا بتنبيه بني قومهم بذلك الحدث المستجد، ونصحوهم بضرورة الانتقال الى بلاد الشبكة وتعميرها بدل بقائهم في بلاد ورقلة المُتْهمة والموبوءة عبر طرد اولئك المعتزلة أعداءهم التقليديين.
3. اتخاذ فلول الرستميين قرار نزوح نحو بلاد الشبكة:
وهو ما كان في سنة 1029م عندما
عُـقد مؤتمر "أريغ" لشيوخ الاباضية، وتم فيه اتخاذ قرار ارسال الشيخ محمد بن بكر
الفرسطائي النفوسي "الليبي الأصل" ليقوم بنشر المذهب الإباضي بين سكان ناحية العطف تمهيدا لانتقالهم بعد ذلك وتعميرهم
المنطقة. ولكن الرفض القاطع من بني مصعب ومن لحق بهم من الأشراف المعتزلة لاعتناق العقيدة التي يدعو لها "الفرسطائي" أو حتى استقبال فلول
الاباضيين، أدى بفريق أولاد عبد الله الى الانتقال الى ناحية بونورة والبدء
في بناء نواة قصر جديد "نورة السفلى" عبر استنساخ ذلك النمط العمراني
الادريسي. وهو ما أكده هنري اوكابيتان في كتابه "بني ميزاب"**
ســـؤال: قد يقول قائلهم، نعم ان دخول الإباضيين الى بلاد الشبكة قد جاء لاحقا لبدء العمران، ولكن بني مصعب المعتزلة "البربر" هم من قام ببدء العمران وليس الاشراف الادارسة كما تدعي؟
وللجواب عن ذلك نقول: لقد أكدت كل المصادر التاريخية بأن بني مصعب كانوا قوما بدوا في تلك المرحلة الزمنية بالذات "أي بدايات القرن 11م"، بل كان الشيخ محمد بن بكر الفرسطائي يقيم معهم في باديتهم ومع قطعانهم من أجل دعوتهم الى اعتناق عقيدته الاباضية، ولم يذكر أي مصدر تاريخي بأنهم كانوا يقيمون بالمدن أو يعرفون للعمران عنوان، وهو ما يؤكد بأن العرب الاشراف هم من قاموا ببناء قصر العطف وليس بنو مصعب؟
حيث جاء في "كتاب السيرة وأخبار الأئمة" للوارجلاني المتوفي بعد سنة 1081م؛ عما كان من أخبار محمد بن بكر الفرسطائيّ النفوسيّ "المتوفي في 1049م" مع بني مصعب التالي:
"وكان الشيخ يشتّي في أريغ، ويربع في البوادي عند بني مصعب وغيرهم. وكانوا آنذاك واصليّة، فردّ بعضهم إلى الوهبيّة".
أما عن عداء بنو مصعب للإباضية ومحاربتهم لهم، فقد روى الوسياني في سيره حادثة وقعت لهم مع محمد بن بكر عندما قاموا بقتل الشيخ موسى بن جنون بلا أي موجب لقتله، فقال:
"وأمّا الشيخ موسى بن جنون فشيخ سخيّ صالح، وكان نزل مع أبي عبد الله في الربيع في ركام، وكان يوقد النار على رأس كدية عظيمة يقال لها: أم العزّ، ليراها الأضياف، فيقصدوا إلى الحيّ، ولئلاّ يضلّ أحد، إلى ليلة من الليالي رأت النارَ غارةُ بني مصعب، فتبعتها حتّى بيّتوه فقتلوه إلى رحمة الله"
وهذا الفيديو يلخص كل ما ذكرناه هنا
فمتى
تحضر بنو مصعب إذا وقاموا ببناء قصر العطف؟؟؟
*Calassanti-Motylinski, Adolphe - Guerrara depuis sa fondation – Adolphe jourdan, Libraire-éditeur – Alger – p : 12 et 13
** Henri Aucapitaine – les béni mezab – Challamel Ainé, Libraire-éditeur – Paris – p :72
شكرا أستاذ على هذا المقال الرائع
ردحذفولكم كل الشكر اخي العزيز
حذف