دورنو دوبري |
ولد في سنة 1848 على أراضي المستعمرات الفرنسية، عمل كمفوض بحري بالسنغال، ولأنه كان مولعٌ بالأسفار، فقد كان يحلم بإعادة انجاز رحلة رينيه كايي، ولكن بإنجازه لرحلة استكشافية من الجزائر نحو السنغال، وهو الحلم الذي رآه قابلا للتحقيق، ولكن المبلغ الذي خصصته الجمعية الجغرافية بباريس سنة 1855 لم يكن ليرضي طموحه. لذا فقد قرر تحديها.
ولأن معرفته باللغة العربية كانت متواضعة، فقد استقال من منصبه كمفوض بحري، ثم اتجه للجزائر وبالضبط نحو مدينة فرندة ليعمل بها كمعلم متواضع لمدة سنتين.
ولأنه متأكد من صوابية فكرته، فقد أعاد تقديم مشروعه للجمعية الجغرافية بباريس، والتي منحته اعانة قدرها 2000 فرنك، كما تحصل على دعم مماثل من وزارة التعليم العام. فانتقل نحو الجزائر بعدما تزود بملاحظات هامة ومفصلة من السيد دوفيرييه.
بداية رحلته:
أراد أن يذهب الى تمبكتو عبر مروره بتقرت ثم وادي إغاغار فجبال الآزجر والصحراء الجنوبية. حيث نزل في البداية بمدينة سكيكدة في نوفمبر 1873، ورأى في طريقه إلى قسنطينة السيد إسماعيل بو ضربة "المترجم الرئيسي لقسم قسنطينة" وهو أحد الرحالة الذين وصلوا مدينة غدامس.
أبلغ بو ضربة ضيفه دورنو دوبري بآخر أخبار الصحراء، والتي جلبها له تجار من منطقة عين صالح. كانت أخبار مرضية له، حيث ساد هدوء نسبي في الجنوب.
وصل السيد دورنو دوبري بعد ذلك إلى بسكرة في 22 نوفمبر، وتوغل في البداية حتى وصل إلى ورقلة. كانت آخر رحلة تم إنجازها في هذا الاتجاه هي رحلة الألماني غيرهارد رولفس.
لقد أصبحت ورقلة أغاليك منذ سنة 1872 تحت قيادة الضابط المحلي للصبايحية محمد بن إدريس الذي درس كطالب جامعي في مدينة الجزائر، ثم عين آغا على ورقلة، يتحدث الفرنسية ومتزوج من فرنسية، قام بجهود حثيثة من أجل فتح خطوط التجارة ما بين ورقلة وتيديكلت بدعم من العائلة الحاكمة بعين صالح.
بعد استقبال بن ادريس لدورنو دوبري، قام بإعطائه معلومات لا بد له من سماعها، وهي المعلومات التي لم تكن مشجعة تماما. فالشيخ عثمان الذي كان ينوي الاعتماد عليه قد مات، والشيخ ايخنوخن زعيم قبيلة أوراغن المشكوك فيه عند بني قومه لن يستطيع مده بأي مساعدة بفعل الاضطراب ببلاد الطوارق.
وأثناء مكوثه بورقلة، جاء خبر آخر بمثابة الضربة القاصمة لمهمة دورنو دوبري، وهي قيام بعض سكان وادي سوف يوم 25 نوفمبر باغتيال ضابط للصبايحية ولجوئهم الى تونس بعد ذلك. وهي الاحداث التي تؤكد نمو الشعور المعادي لفرنسا بالصحراء.
وصل دورنو دوبري الى تقرت في 1 ديسمبر، لقد وجد هناك 5 غدامسيين، والذين وعدوه يوم 5 جانفي 1874 بإيصاله الى غدامس عبر الطريق العادي، ورغم تحذير السلطات الفرنسية له إلا أنه قرر استكمال رحلته عبر الطريق التي سلكها قبله 3 مستكشفين فقط "بوضربة، دوفيرييه، رولفس".
وما زاد الطينة بلة، قيام سعيد بن ادريس شقيق محمد، بملاحقة الشريف بوشوشة بنواحي عين صالح، وقيامه أثناء ذلك بتفجير رأس أحد قادة الطوارق مما جعلهم يقسمون على الانتقام من الفرنسيين.
ورغم علمه بالمخاطر الكبيرة التي تحدق به، والمصير المحتوم الذي كان يتحسب له، الا أن لا شيء كان سيوقف دورنو دوبري عن الاستمرار في رحلته، وهو ما توضح من خلال الرسائل الحزينة التي كتبها في تلك الفترة. فقد كان يعتبر توقفه في تلك المرحلة جبنا وخوفا في لحظة المواجهة.
بمرافقة من أرنست جوبير التاجر بمدينة تقرت، والذي قرر مرافقته الى غدامس بغرض فتح نشاط تجاري له مع غدامس وغات، انطلق دورنو دوبري مستعينا بأحمد بن زرمة المرشد السابق لدوفيرييه لمرافقته نحو مدينة غدامس يوم 1 فيفري 1874.
قام قبل خروجهم بالاتصال بالشيخ معمر شيخ زاوية تماسين والذي ارسل معهم رسائل توصية بهم لكل من: "كوسة" زعيم طوارق الايفوغاس و "خيتامة" ابن الحاج جبور زعيم الايمنغاستن عدو "إيخنوخن" زعيم الأوراغن. مع رسالة ثالثة سلمها لأحد العرب من مرافقي دورنو دوبري وهو ناصر بوكينة لكي يسلمها لبعض أعيان مدينة غات.
تفاصيل حادثة تصفية دورنو دوبري ومرافقيه:
وصلت مجموعة دورنو دوبري الى مدينة غدامس بسلام قبل نهاية شهر مارس، قبل أن يتصلو بخيتامة الذي أبدى لهم موافقته على مرافقتهم نحو منطقة الهقار، ولكن دورنو دوبري الذي أرسل لإيخنوخن -عدو خيتامة- المقيم بمدينة غات من أجل طلب دعمه، اعتذر لخيتامة قبول طلبه.
أرسل ايخنوخن رده لدورنو دوبري بموافقته على تأمين طريقهم نحو الآزجر، وهو ما أغضب خيتامة منهم.
انطلق دورنو دوبري يوم 12 أفريل 1874 باتجاه مدينة غات للإتصال بايخنوخن، لتتم تصفيتهم يوم 19 أفريل في الطريق. فكيف تم ذلك؟
انطلق دورنو دوبري يوم 12 أفريل نحو مدينة غات مع مرافقيه العرب وهم: خادم، ودليل هو أحمد بن زرمة، مع بعض الجمالين الغدامسيين. وبعد 7 أيام من مسيرهم، إلتحق بهم سبعة رجال من أبناء الشعانبة من أتباع الحركة السنوسية المقاومة بقيادة المدعو "السايح بن بوسعيد"، والذين انقضوا على هؤلاء الفرنسيين مع دليلهم أحمد بن زرمة، فقضوا عليهم وأخذوا ما يحملونه من متاع مع ناصر بوكينة مبعوث الشيخ معمر شيخ زاوية تماسين، قبل أن ينسحبوا نحو حلفائهم من طوارق الهقار.
لقد كانت ضربة أخرى من ضربات أبناء الشعانبة في مسلسل مقاومتهم الشرسة للمحتل الفرنسي.
وهذه صورة تخيلية من أحد الفنانين الفرنسيين لعملية قتل الفرنسيين "دورنو ديبري" ومرافقه "جوبير" من طرف أبناء الشعانبة بالقرب من غدامس يوم 19 أفريل 1874.