تطرقنا في ما سبق لاتفاقية الاستسلام التي وقعها قادة اباضية غارداية سنة 1853، والتي بموجبها تعهدوا بعدم المشاركة في مقاومة المستعمر الفرنسي. وهو التوقيع الذي يعتبر تتويجا لأعمال سابقة لهم قاموا بذكرها في رسالتيهما للحكام الفرنسيين سنتي 1835 و 1848، وكذا رفضهم الانصياع لأوامر الأمير عبد القادر وإعلان عدائهم له سنة 1838 ... والعديد من المواقف المشابهة.
1. شهادة الجنرال نيوكس على جهاد أبناء الشعانبة:
ولا بأس أن تكون بدايتنا، بما أنهينا به الحلقات السابقة
"موقف اباضية غارداية من اتفاقية سنة 1853" ، وهي شهادة الجنرال الفرنسي
نيوكس عن جهاد أبناء الشعانبة، والذي أكد فيها بأن اتخاذ قرار بناء حامية عسكرية بالجنوب من أجل
مراقبة أبناء الشعانبة، كان من أهم الأسباب التي بُني عليها قرار إلحاق منطقة
غارداية.
حيث تحدث الجنرال نيوكس عن موقف أبناء الشعانبة من
الاستعمار الفرنسي في تلك الفترة التاريخية بالذات أي ما قبل سنة 1890م، بقوله:
"متليلي الشعانبة، تبعد بحوالي 35 كم جنوب غارداية،
وهي كذلك بالشبكة، القصر الذي يقع في الأعلى قد تم هدمه قبل الان من طرف قواتنا.
لكن الواحة (بها حوالي 30 ألف نخلة) فقد تم المحافظة عليها. قام السكان بإعادة
بناء مساكنهم في السفح عندما عاد الهدوء.
بعد تمرد 1871 – 1872 [يقصد به طبعا ثورة الشريف بوشوشة]
قامت قواتنا بالانتقال من مقاطعة قسنطينة الى جنوب ورقلة حتى المنيعة، واحة
للشعانبة، على بعد 200كم جنوب متليلي.
قامت هذه القبيلة [أي الشعانبة] بمحاصرة تقرت في 1871 وأبادت الحامية المحلية. وبعدما تم اعادة الهدوء للتل، تم تقرير معاقبتهم، تم تكوين قوة عسكرية بتقرت، وفي جانفي 1873 قام الجنرال قاليفات بالتحرك بها نحو ورقلة، ومنها الى المنيعة التي زارها قبل ذلك دوفيرييه ما بين سنتي 1862 و 1863. من ورقلة الى المنيعة توجد 321كم بالصحراء المطلقة ... لم تتلقى تلك القوة اي مقاومة، تم انشاء دار قيادة بالمنيعة، ولكننا لم نترك مركزا دائما بها. قام قسم من الشعانبة بالاستسلام بينما قام القسم الاخر بالفرار نحو توات".
وهذه قراءة في ما جاء في ذلك المقتطف:
- إقرار الجنرال نيوكس بأن القوات الفرنسية هي من هدمت الجزء الأعلى من قصر متليلي الشعانبة والذي يظهر على شكل اطلال في الصور القديمة كعقوبة ضد أبناء الشعانبة على تمردهم. بينما لم يتم التعرض لحدائقهم. وكان ذلك الهدم للقصر بتاريخ جانفي 1854.
- قيام أبناء الشعانبة بإعادة بناء البيوت في الجزء الأسفل من القصر بعدما عاد الهدوء الى متليلي
- قيام أبناء الشعانبة في سنة 1871 بإبادة الحامية العسكرية المحلية بتقرت التي كانت تحت قيادة "علي باي"، وذلك بالاشتراك مع الشريف بوشوشة وبن شهرة.
- قيام الجنرال دو قاليفات بدخول المنيعة في فيفري 1873 بقوة عسكرية ضخمة مما جعل المقاومين من أبناء الشعانبة يفرون نحو بلاد توات بينما استسلم سكان المدينة من المدنيين.
2. شهادة أخرى من المستعمر الفرنسي على جهاد أبناء الشعانبة:
وفي وثيقة أخرى من المستعمر الفرنسي، نرى كيف يلح ضباطه على ضرورة الإسراع باحتلال مدينة متليلي الشعانبة بسبب دورها في مقاومة الاحتلال الفرنسي، وتحولها الى أخطر منطقة بالصحراء الجزائرية، وهو ما عجّل بإصدار قرار إلحاق منطقة غارداية عسكريا، وفي هذا تأكيد لما جاء في شهادة الجنرال نيوكس التي نشرناها سابقا، حيث جاء فيها:
"في 1864 وبعد تمرد أولاد سيد الشيخ، أصبحت المنطقة الواقعة جنوب وغرب ميزاب [أي منطقة أبناء الشعانبة] المنطقة الأكثر خطورة في الصحراء الجزائرية، محاطة بحزام من التلال الصخرية، التي تقع وسط الصحراء وتجعل منها نوعًا من المعسكرات المحصنة، لقد أصبحت منطقة ميزاب متاحة للقبائل المنشقة عن طريق هضبة النميرات، والمتمردون الذين يحيطون بمنطقة ميزاب من الجنوب يقومون بلا عقاب بغزو القبائل الموالية لنا. لقد أصبح من الضروري احتلال مركز متليلي مفتاح هضبة النميرات التي تقع على بعد 30 كم من غارداية عند التقاء طريقي ورقلة والمنيعة"
- بعد سنة 1864 أصبحت منطقة متليلي الشعانبة أخطر منطقة على المستعمر الفرنسي بالجنوب الجزائري ككل، بينما كانت منطقة ميزاب تعتبر منطقة للقبائل الموالية له.
- كان النميرات تابعة لنفوذ متليلي الشعانبة ولم يكن لها أي علاقة بالقوم، حيث كانت معقلا لقوات المقاومة التي تهاجم الموالين لفرنسا، والتقرير الفرنسي يؤكد هذه الحقيقة بذكره بأن متليلي هي مفتاح النميرات. ولكن وياللأسف فقد عمل المستعمر بضم جزء كبير منها لإباضية غارداية الذين لا تربطهم بها أي علاقة تاريخية كعقوبة لأبناء الشعانبة.