في اطار بحثنا التاريخي حول احتلال الجزائر في سنة 1830 وما بعدها، سنتطرق للرسالة التاريخية الهامة التي كتبها المؤرخ ريني ليسبيس حول دور أمين الميزابيين في تسهيل عملية احتلال الجزائر والخدمات الكثيرة التي قدموها للمحتل الفرنسي، وذلك من خلال الارشيف الفرنسي المحتوى في العلبتين: "F80 - 556 و 557"
حيث يمكننا ان نذكر هنا أهم ما جاء في تلك الوثيقة التاريخية من حقائق حول الخدمات المقدمة من أمين الميزابيين بالجزائر في النقاط التالية:
قام الجنرال كلوزيل CLAUZEL قائد القوات الفرنسية بإفريقيا بعد الحملة على مدينة المدية في
نوفمبر 1830 بتعيين المدعو "مولود" أمينا للميزابيين مكافأة له على
الخدمات التي قدمها له خلال تلك الحملة..
قام الجنرال فوارول Voirol الذي مارس مهامه في الفترة ما بين "1833 الى 1834"
باعتبار الميزابيين حلفاء مهمين، وأوصى بهم الجنرال راباتل RAPATEL الذي
خلفه في قيادة القوات الاستعمارية بقوله: "كنا نعرف بفضلهم كل تحركات العدو
سواء في الخارج أو حتى بيننا"
عندما تولى كلوزيل مهمة الحاكم العام اعطى تعليماته لوزير دفاعه من اجل
تسوية وضعيتهم قائلا له: "لا تنسوا بأنه بين الميزابيين رجال اذكياء وحازمون،
والذين وجدنا فيهم المبعوثين الثقاة الذين ضمنوا لنا نقل اخبار القبائل الداخلية
ومعرفة ماذا يحدث بينها، والذين كانوا مفيدين جدا لي خلال مهمتي الأولى في قيادتي،
وكل الجنرالات الذين خلفوني استفادوا من خدماتهم"
كانت الحملة على مدينة معسكر في ديسمبر 1835 فرصة لبعض الميزابيين من الجزائر مع أمينهم للبرهنة على وفائهم، حيث طلبوا من الماريشال كلوزيل إذنا للمشاركة فيها. ويمكننا قراءة رسالتهم للماريشال كلوزيل لفهم الموقف اكثر:
الى السيد الماريشال كونت كلوزيل، الحاكم العام للممتلكات الفرنسية بشمال افريقيا
السيد الماريشال
لي الشرف ان أعلمكم عن طريق السيد الجنرال بارون راباتل بأن لي رغبة بأن
اذهب مع حوالي 50 ميزابيا للحملة على معسكر لمقاتلة عدونا المشترك [الأمير عبد
القادر]. لقد اخبرني الجنرال راباتل بأنك سمحت لي بأن بتجنيد الميزابيين المتطوعين
الذين يريدون الذهاب معي، اتمنى السيد الماريشال بأن انجح في البرهنة لك على ان
الميزابيين مقاتلون جيدون، وبأنهم بكل المعاني قد قدموا خدمات للحكومة.
أمين الحواتين ... أحد اقدم اصدقائي يريد مرافقتي مع حوالي 30 رجلا متطوعا،
ارجو ان تسمحوا له مثلي سيادة الماريشال للمشاركة في الحملة ... اما انا فلست
بحاجة بأن اعيد عليكم طلبي، ولكنني ارجوكم سيادة الماريشال بأن تقوموا بدفع لي مستحقات 10 اشهر التي أدين بها للطائفة، أنا مدين ولا استطيع مواصلة
القيام بمهامي اذا لم تحل هذه المشكلة.
انا اضع كل ثقتي فيك سيادة الماريشال، ولكن باسم الاله، قم بحل مشكلتي قبل
مغادرتي القريبة. لان ذلك سيكون بتكلفة عالية جدا. اتمنى سيد الماريشال ان تأخذوا
طلبي بعين الاعتبار. لي الشرف ان اقدم لكم احترامي الكبير. خادمكم المطيع.
باحمد خواجي أمين بني ميزاب
كل هذا الحديث الذي سبق ذكره، يمكن أن يتوقع منه القارئ بأن مهمة الميزابيين في الحملات الفرنسية انما كانت تقتصر على الاستعلامات فقط … لكن باحمد يؤكد بأنهم كانوا في مقدمة الجيش كذلك فيقول: "بأننا قد شاهدناه في طرق معسكر يقود مجموعته الصغيرة دوما في المقدمة، وبأنه كان يعطي لاتباعه مثالا في الشجاعة والولاء. وبعد ذلك ومع نفس جنوده قام بالصعود لمرتفعات الثنية، وهناك كما في معسكر سالت دماء الميزابيين واختلطت بدماء الفرنسيين".
كان يمكننا ان نشك في هذه الاقوال لو لم يقم الجنرال راباتل بتأييدها
بقوله: "لقد ذهبوا الى كل مكان ارسلوا له، مخاطرين بحياتهم من اجلنا ولم يزعجوننا أبدا. والذي يؤكد هذا أنني راسلت احدهم الى مليانة
اين تم قطع رأسه. ومع ذلك فقد قام ميزابي آخر -رغم خطورة أن ينال نفس العقاب-
بالقيام بالمهمة على احسن وجه"
ان هذه الرسائل التاريخية الهامة التي قام المؤرخ الفرنسي ريني ليسبيس بنشرها، تكشف لنا الغطاء عن فترة دقيقة من عمر الجزائر تمت فيها العديد من الاعمال الخيانية تحت جنح الظلام. والتي آن الأوان لكشفها للعلن.